مع التطور التكنولوجي المتسارع، تجاوزت الساعات الذكية دورها التقليدي كأدوات لقياس الوقت ومراقبة صحة المستخدم، لتصبح أجهزة متقدمة تجمع بيانات دقيقة ومتنوعة تشمل الجوانب الصحية والحركية والبيئية بشكل مستمر، وكانت هذه البيانات في السابق مقتصرة على المستخدم نفسه، لكن مع التقدم في القانون الجنائي الرقمي وتقنيات التحريات، تحولت إلى مصادر قيمة تُستخدم في كشف تفاصيل الجرائم، وربط المشتبه بهم بالأحداث، وتتبع تحركاتهم، مما يسهم بشكل فعّال في تعزيز جمع الأدلة الإلكترونية وتحقيق العدالة، ويستعرض هذا المقال دور الساعات الذكية في مجال التحقيق الجنائي الرقمي وكيف يمكن الاستفادة من تقنياتها لرفع كفاءة الأدلة الرقمية.
الساعات الذكية كمصدر للأدلة الجنائية:
توفر الساعات الذكية معلومات متنوعة تشمل الموقع والتوقيت، نبضات القلب، مستوى النشاط البدني، فضلاً عن تسجيل المكالمات والرسائل عند اتصالها بالهاتف الذكي، وفي سياق التحقيق الجنائي:
• يمكن اعتماد نظام تحديد المواقع GPS لتحديد مكان وجود المشتبه به وقت وقوع الجريمة.
• بيانات الحركة والنشاط البدني تساعد في إثبات أو نفي تواجد المشتبه به في نطاق معين.
• البيانات الصحية، مثل معدل نبض القلب، قد تُستخدم لفهم الحالة النفسية للمشتبه به كالإثارة أو التوتر أثناء الحادث.
• تسجيل المكالمات والرسائل يقدم أدلة مهمة على التواصل مع أطراف أخرى ذات صلة بالقضية.
التحديات القانونية والأخلاقية:
رغم الفوائد التقنية الواضحة، تبرز تحديات قانونية وأخلاقية تتمثل في حماية خصوصية المستخدم وحقوقه، ويجب أن تخضع عملية الحصول على بيانات الساعات الذكية لإجراءات قانونية صارمة، تشمل الحصول على إذن قضائي واضح ومحدد، كما يجب التأكد من موثوقية البيانات ومصداقيتها، مع منع أي تلاعب محتمل، مما يستدعي وجود خبرة تقنية متخصصة في جمع وتحليل الأدلة الرقمية.
آفاق المستقبل:
تشير التوقعات إلى أن تقنيات الساعات الذكية ستتطور لتتكامل مع أنظمة تحقيق متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل الأنماط السلوكية وربط الأحداث بدقة وفعالية، كما من المتوقع أن يشهد الإطار القانوني تطورات تسمح بتنظيم استخدام الأدلة الرقمية بشكل متوازن يحمي حقوق الأفراد وفي الوقت نفسه يعزز من إمكانيات التحقيق الجنائي.
التجارب العالمية في استخدام تقنية الساعات الذكية في التحقيق الجنائي:
فيما يلي أبرز التجارب العالمية في استخدام تقنية الساعات الذكية في التحقيق الجنائي:
في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأميركية، طور الباحث الفلسطيني محمد داود منظومة متخصصة للتحقيق الجنائي باستخدام ساعة Apple Watch، حيث قامت هذه المنظومة بتسهيل جمع الأدلة الرقمية من الساعة بسرعة وموثوقية، مما ساعد على كشف تفاصيل الجرائم وصياغة تقارير قانونية يمكن الاعتماد عليها في المحاكم، وتميز البحث بدمج تقنيات ربط الساعة مع أجهزة iPhone وشبكات الاتصال لتوفير إطار عمل موحد للتحقيق الجنائي الرقمي في مسرح الجريمة.
على المستوى الدولي، بدأت بعض دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا ومصر في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الرقمية، بما في ذلك تلك المستمدة من الأجهزة الذكية مثل الساعات، لتحسين إجراءات ضبط الجرائم وإدارة العدالة الجنائية بطرق متقدمة تعتمد على تحليل الأنماط السلوكية والأنشطة الرقمية.
وهذه التجارب تؤكد الاتجاه المتنامي نحو الاستفادة من الساعات الذكية كأدوات فعالة في جمع الأدلة الرقمية وتعزيز التحقيقات الجنائية، مع ضرورة تطوير الأطر القانونية والتقنية لتحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وحماية الحقوق الفردية.
خاتمة:
تمثل الساعات الذكية أداة مبتكرة وفعالة في مكافحة الجرائم وكشف خفاياها بفضل البيانات الكمية والنوعية التي تجمعها بشكل مستمر، ومع التطور المستمر على المستويين التقني والقانوني، ستصبح هذه الأجهزة ركيزة أساسية في التحقيق الجنائي الرقمي، ما يفتح آفاقاً جديدة لتحقيق العدالة بسرعة وفعالية، مع ضرورة احترام الحقوق والحريات وتطبيق ضوابط قانونية صارمة لتنظيم استخدامها.