JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
الصفحة الرئيسية

الدكتور محمد حسين الضاهر يكتب : الذكاء الاصطناعي والعمل التضامني: هل يمكن للآلات أن تدير التعاونيات؟

الدكتور محمد حسين الضاهر يكتب : الذكاء الاصطناعي والعمل التضامني: هل يمكن للآلات أن تدير التعاونيات؟



في عالم تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، بدأت الأنظمة الذكية تتسلل إلى كافة مناحي الحياة، بما في ذلك تلك الجوانب التي طالما بدت "إنسانية بحتة"، مثل الاقتصاد الاجتماعي والعمل التعاوني، ومع تنامي قدرات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية، يبرز سؤال جديد وجريء: هل يمكن للآلات أن تدير التعاونيات؟ وهل يمكن للتكنولوجيا أن تدعم أو حتى تحول نموذج العمل التضامني دون أن تفقد جوهره الإنساني؟


الاقتصاد التضامني: الإنسان في قلب المعادلة


الاقتصاد التضامني ليس مجرد أسلوب إنتاج أو توزيع، بل هو فلسفة ترتكز على قيم المشاركة، العدالة، والتكافل، والتعاونيات، سواء كانت زراعية أو استهلاكية أو انتاجية، تجسّد هذا النموذج على أرض الواقع، حيث يُقاس النجاح بمدى تلبية حاجات المجتمع المحلي، وتعزيز استقلاليته وكرامته، لا بمجرد تحقيق الأرباح، ومع ذلك، تواجه التعاونيات تحديات موضوعية في مجالات الحوكمة، اتخاذ القرار، الشفافية، والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد.


أين يدخل الذكاء الاصطناعي؟


الذكاء الاصطناعي – الذي لا يقتصر على الروبوتات المتحركة فقط، بل يشمل خوارزميات تحليلية قادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات والتعلّم منها – يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في إدارة التعاونيات عبر ما يلي:

• تحسين عمليات اتخاذ القرار الجماعي: تحليل أنماط التصويت والسلوكيات السابقة للتنبؤ ومن ثم تحسين نتائج الاقتراحات، مما يعزز طبيعة القرارات الديمقراطية ويسهم في استباق المشكلات.

• إدارة المخزون والإنتاج بفعالية: استخدام خوارزميات تتنبأ بالطلب وتُحسن من جدولة الموارد، مما يقلل الهدر ويزيد من كفاءة الإنتاج المشترك.

• الشفافية المالية اللحظية: تطوير أدوات ذكية لرصد النفقات والإيرادات وتنبيه الأعضاء فور أي اختلال أو سوء إدارة، مما يرفع مستوى الثقة ويحد من الفساد.

• تحسين توزيع الأرباح بعدالة: نماذج حسابية تراعي مساهمات كل عضو وظروفه الاجتماعية، لضمان توزيع متوازن يعزز الروح التضامنية.


تجارب أولية ونماذج قيد التكوين:


ظهرت بالفعل تجربة استخدام الذكاء الاصطناعي في التعاونيات الزراعية بأمريكا اللاتينية وأوروبا لتحليل بيانات الطقس والتربة بهدف تحسين خطط الإنتاج الزراعي، كما تطورت منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي تقدم توصيات استثمارية مبنية على تحليل المخاطر والسوق المحلي للأعضاء.

على الرغم من محدودية هذه التجارب حتى الآن، إلا أنها تفتح الأفق أمام تصور تعاونيات ذكية ومستدامة، تجمع بين التقنية والكفاءة دون أن تفقد طابعها الإنساني والعدالة الاجتماعية.


التحديات والمخاوف الحقيقية:


رغم الفوائد المحتملة، تواجه إدخال الذكاء الاصطناعي في إدارة التعاونيات عدة تحديات من أبرزها:

• التحيز الخفي في البيانات: إذا كانت البيانات المستخدمة لتدريب الأنظمة غير نمطية ولا تمثل جميع الأعضاء، فإن القرارات الناتجة قد تكون منحازة، مما يضر بمبدأ العدالة والتكافؤ.

• فقدان السيطرة من الأعضاء: خطر تحويل النظام الذكي من أداة مساعدة إلى "صانع قرار فعلي"، الأمر الذي قد يهدد جوهر الديمقراطية التعاونية.

• ملكية التكنولوجيا والخوارزميات: من يملك ويشغل هذه الأنظمة؟ المطورون أم المجتمع التعاوني؟ هذه مسألة قانونية وأخلاقية حساسة في بيئة تقدر المشاركة الجماعية.

• حماية الخصوصية والبيانات: مسألة ضمان سرية بيانات الأعضاء ومنع استغلالها أو تسريبها لا يمكن التهاون فيها.


التعاونيات الذكية: من الخيال إلى واقع ممكن:


اتجهت بعض التجارب الحديثة إلى استخدام تقنيات البلوكتشين و"المنظمات المستقلة اللامركزية" (DAO)، حيث تُدار التعاونيات بشكل ذكي وشبه تلقائي عبر عقود ذكية تضمن الشفافية والديمقراطية في صنع القرار.

يُعد هذا النموذج ثورة محتملة في كيفية عمل التعاونيات، إذ يسمح باتخاذ قرارات مؤتمتة قائمة على بيانات دقيقة وبشكل ديمقراطي، مع تقليل التدخل البشري في العمليات الروتينية، وضمان مشاركة الأعضاء في القضايا الجوهرية.

لكن لتحقيق هذا الطموح يتطلب وضع ضمانات أخلاقية وقانونية واضحة، وبناء ثقة المجتمعات المتعاونة في هذه التكنولوجيا، من خلال مشاركة مجتمعية حقيقية في تطوير واختبار النظم والخوارزميات المستخدمة.


خاتمة: التقنية في خدمة الإنسان... لا بديلة عنه:


في الختام، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يشكل شريكًا قويًا في تعزيز العدالة الاقتصادية وتطوير نموذج العمل التضامني، من خلال تسهيل الحوكمة، تحسين التخطيط، وتعزيز الشفافية، لكن مع ضرورة التأكيد على بقاء الإنسان في مركز العملية.


التعاونيات الذكية ليست مجرد حلم أو خيال علمي، بل هي واقع متبلور يسعى إلى دمج قوة التقنية مع القيم الأساسية للتعاون والتكافل التي قامت عليها هذه المؤسسات عبر التاريخ، ومع ذلك، يبقى العامل البشري هو القائد والحارس على هذه القيم لضمان أن تكون التكنولوجيا أداة تعزز الإنسان ولا تحل محله.



في المستقبل القريب، من الممكن أن ترينا نماذج هجينة تمزج بين الذكاء الاصطناعي والعقل الجمعي لأعضاء التعاونيات، فتنتج تعاونيات أكثر ذكاءً ونشاطًا، تحفظ روح المشاركة، الشفافية، والمساواة، وتفتح آفاقًا جديدة للعدالة المجتمعية في عالم سريع التطور.

الدكتور محمد حسين الضاهر يكتب : الذكاء الاصطناعي والعمل التضامني: هل يمكن للآلات أن تدير التعاونيات؟

alkhabralmasry7

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة