JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Home

الدكتور محمد حسين عبدالظاهر يكتب من الخصخصة إلى التعاونيات: بناء ملكية عمالية مستدامة وحماية الاقتصاد الوطني


من الخصخصة إلى التعاونيات: بناء ملكية عمالية مستدامة وحماية الاقتصاد الوطني



بقلم : الدكتور محمد حسين الضاهر


في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي تواجهها العديد من الدول، برزت الحاجة الملحة إلى تبني نماذج اقتصادية جديدة توازن بين تحقيق الكفاءة الاقتصادية وحماية مصالح العمال والمجتمع بشكل عام، ومن بين هذه النماذج، تبرز التعاونيات كبديل ذكي وفعّال للخصخصة التقليدية، خاصة أن الخصخصة واجهت العديد من التحديات مثل فقدان العمال لحقوقهم، زيادة معدلات البطالة، وتراجع جودة الخدمات المقدمة، ولذلك، أصبح من الضروري البحث عن حلول أكثر استدامة وعدالة، وفي هذا السياق، تقدم التعاونيات نموذجًا قادرًا على إعادة بناء ملكية عمالية مستدامة في الشركات المُخصخصة، مع ضمان حماية الاقتصاد الوطني من مخاطر الاحتكار والتفاوت الاجتماعي، مما يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمستدامة.

الخصخصة: تحديات ومخاطر

الخصخصة تعني نقل ملكية وإدارة الشركات من القطاع العام إلى القطاع الخاص، بهدف زيادة الكفاءة وتحفيز النمو الاقتصادي، ومع ذلك، فإن هذا التحول غالبًا ما يصاحبه مخاطر كبيرة، مثل فقدان العمال لحقوقهم، تقليص فرص العمل، وارتفاع الأسعار بسبب احتكار القطاع الخاص، كما أن الخصخصة قد تؤدي إلى تراجع الخدمات الاجتماعية التي كانت تقدمها الشركات العامة، مما يؤثر سلبًا على المجتمع ككل.

التعاونيات: نموذج اقتصادي اجتماعي متوازن

التعاونيات هي مؤسسات يملكها ويديرها العمال أو المزارعون أو المستفيدون أنفسهم، وتعتمد على مبادئ الديمقراطية الاقتصادية والمشاركة الفعالة في صنع القرار، وفي حالة الشركات المُخصخصة، يمكن للتعاونيات أن تمنح العمال ملكية حقيقية من خلال توزيع حصص في الشركة، مما يعزز شعورهم بالمسؤولية والانتماء، ويحفزهم على تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية بشكل ملحوظ، وهذا النموذج يعزز الاستقرار الوظيفي ويخلق بيئة عمل تشاركية تضمن استدامة الشركة ونجاحها على المدى الطويل.

بناء ملكية عمالية مستدامة

1. المشاركة الديمقراطية في الإدارة:

تتيح التعاونيات للعمال المشاركة في اتخاذ القرارات، بدءًا من التخطيط الاستراتيجي إلى العمليات اليومية، وهذا يضمن أن تكون مصالح العمال محور الاهتمام، ويخلق بيئة عمل أكثر عدلاً وتحفيزًا.

2. توزيع عادل للأرباح:

يتم توزيع الأرباح بين أعضاء التعاونية بناءً على مساهماتهم، مما يعزز من العدالة الاقتصادية ويشجع على العمل الجماعي والتعاون.

3. تطوير المهارات والتدريب المستمر:

تركز التعاونيات على رفع كفاءة أعضائها من خلال التدريب والتطوير المهني، مما يضمن مواكبة التطورات التقنية والتخصصية في المجالات المختلفة.

4. الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية:

تتبنى التعاونيات قرارات تراعي المصلحة طويلة الأمد للعمال والمجتمع، بدلاً من السعي وراء الربح السريع فقط، مما يضمن استمرارية الشركة واستقرارها.

حماية الاقتصاد الوطني

تلعب التعاونيات دورًا حيويًا في حماية الاقتصاد الوطني من مخاطر الاحتكار والهيمنة التي قد تنجم عن عمليات الخصخصة، حيث تساهم في توسيع قاعدة توزيع الملكية وتمنع تركيز الثروة في أيدي قلة محدودة، وهذا التوزيع العادل يعزز العدالة الاجتماعية ويحد من الفوارق الاقتصادية، كما تساهم التعاونيات في خلق فرص عمل مستقرة وتحسين جودة المنتجات والخدمات المقدمة للمجتمع، وبالتالي، تشكل التعاونيات ركيزة أساسية لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة التي تحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.

دروس من التجارب الناجحة

تُعتبر تجربة تعاونية موندراجون في إسبانيا نموذجًا ملهمًا يُبرز قوة التعاونيات في بناء ملكية عمالية مستدامة، وتقوم فكرة موندراجون على تأسيس شبكة من التعاونيات التي يملكها ويديرها العمال أنفسهم بشكل ديمقراطي، حيث يشارك الأعضاء في اتخاذ القرارات ويتقاسمون الأرباح بشكل عادل، مما يعزز شعورهم بالمسؤولية والانتماء، وتهدف هذه الفكرة إلى تحقيق توازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، من خلال تمكين العمال من السيطرة على شركاتهم وتحويلهم من موظفين إلى شركاء حقيقيين، وهو ما يعزز الاستقرار الوظيفي والتنمية المستدامة على المدى الطويل، وأثبت هذا النموذج نجاحه في تحويل شركات مُخصخصة إلى مؤسسات تعاونية ناجحة ومستدامة، حيث تمكنت موندراجون من الازدهار حتى في فترات الركود الاقتصادي بفضل الإدارة الديمقراطية، إعادة استثمار الأرباح في المجتمع، وبرامج التعليم المستمر لأعضائها.

الخلاصة

التحول من الخصخصة إلى التعاونيات في الشركات المُخصخصة يمثل خطوة استراتيجية نحو بناء اقتصاد أكثر عدلاً واستدامة، حيث تمنح التعاونيات العمال ملكية حقيقية في مؤسساتهم، مما يعزز مشاركتهم الفعالة في الإدارة واتخاذ القرارات، وهذا النموذج يحمي حقوق العمال الاقتصادية والاجتماعية، ويساهم في خلق بيئة عمل مستقرة ومحفزة، وفي الوقت نفسه يدعم استقرار الاقتصاد الوطني من خلال توزيع أوسع للملكية والحد من الاحتكار، ولتحقيق نجاح هذا التحول، يتطلب الأمر وجود دعم قانوني وتنظيمي قوي يشجع على تأسيس التعاونيات ويضمن حمايتها، إلى جانب تعزيز ثقافة التعاون والعمل الجماعي بين العمال، مما يعزز روح الانتماء والمسؤولية المشتركة، وبذلك، تصبح التعاونيات جسر الأمان الاقتصادي الذي يربط بين الملكية العامة والقطاع الخاص، ويشكل قاعدة صلبة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمع بأكمله.

NameEmailMessage