الْكَاتِبه إسراء الجبالي تَكْتُبَ
مِنْ سِلْسِله ادْرَكتْ مُؤَخَّراً( الْقِرَاءَةُ)
الْقِرَاءَةُ هِيَ نَافِذُهُ روح الْإِنْسَان الي الْعَالَم ، فَأَنْتَ كُلَّمَا قَرَأْتَ كُلَّمَا ارْتَقَيْتَ،وَكُلَّمَا فَهِمْتَ كُلَّمَا تَعَلَّمْتَ .
الْقُرَّاءَهُ كُلَّمَا تَوَغَّلَت فِيهَا وَدَاوَمت عَلَيْهَا كُلَّمَا أَصْبَحَت أقوى، إِنَّ مَنْ يَمْتَلِك الْمُعَرِفَه وَيُحْسن اسْتِغْلَالها يَمْتَلِكُ الْكَثِيرَ فِي هَذَا الْعَالَم .
عَلَيْكُمْ أَصْدِقَائِي بِالْقرّاءه فَبِهَا تَنَالُوا الْحكْمَه وَالْفَهْمَ ،تَنَالَوا الْمعَرِفَهَ وَالإدراك، تَتَوَسَّع بَصِيرَتكُمْ نَحْوَ اهْدَافِكُمْ ، تُعَلِّمكُمْ التَّأَنِّي فِي الْحُكْمِ عَلَيَّ الَأشْيَاء وَكَذَلِكَ عَلِيَّ الأشخاص .
الْقُرَّاءَهُ تَعَلِمكَ حُسْنُ احْتِيَارِ الْكَلِمَاتِ وَمَوَاضِعهَا وَمَتِّي تَتَفَوَّهُ بِكَلِمِه تَكُونُ قَدْ وَضَعَتْهَا فِي مَكَانِهَا الْمُنَاسِبِ، القراءهُ تُنَمِّي لَدَيْكَ الْقدرَهَ عَلَيَّ التَّعْلِيمَ وَالتَّعَلُّمَ ،وَحُسْنَ الِاسْتِمَاعِ ، وَالشَّرْحِ وَتَوْضِيحُ الْأُمُورِ لِعَوَامِّ النَّاسِ ، فَتُمَكَّنكَ الْقرّاءهُ فِي النَّهَايَهِ مِنْ تَعَلُّمِ فَنٍّ قَوِيٍّ وَمُهِمٍّ أَلَا وَهُوَ (فَنُّ التَّعَامُلِ مَعَ الْآخَرِينَ)، وَهَذَا الْفَنُّ لِلَّاسفِ ينْقص أَبْنَاءَنَا الْأَنَّ فَنَجِدُهُمْ لَا يُحْسِنُونَ التَّصَرُّفَ وَلَا يُحْسِنُونَ معامله الْآخَرِينَ حَتِّي أَبَوَيْهِمْ لَا يُحْسِنُونَ مُعَامَلَتَهُمْ
فَإِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْآبَاءُ عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ الْقراءَه ، عَلِّمُوهُمْ كَيْفَ يَتَمَكَّنُوا مِنْ امْتِلَاكِ كِتَابٍ بَيْنَ ايْدِيهِمْ وَيُتِمُّونَ قِرَاءَتَهُ ، عَلِّمُوهُمْ أَنَّ الْكِتَاب خَيْرٌ جَلِيس لَهُمْ ، عَلِمُوهُمْ أَنَّ الْقرّاءه هِيَ طَرِيقهمْ إِلَى السُّمُوِّ بِالأخلاق طَرِيقهمْ الي التَّقَدُّمُ وَالنَّجَاحُ ، عَلَيْكُمُ أيها الْآبَاءُ أَنْ تَتْرُكُوا هَوَاتِفَكُمْ وَتَتَمَسَّكُوا بِالْكُتُبِ أَمَامَ أَوْلَادِكُمْ نَحْنُ نُقَلِّدُكُمْ كِبَارًاً كُنَّا اوْ صِغَاراً ، اخْلُو بِهَوَاتِفِكُمْ وَتَصَفَحُوا الْمَوَاقِعَ حِينَ نَوْمِكَ ، وَاجْعَلُوا النَّهَارَ لِأَوْلَادِكُمْ مَا تَفْعَلُونَهُ أَيُّهَا الْآبَاءُ يَنْعَكِسُ عَلَيَّ أَبْنَاءكُمْ، فَلَا تَلُومُوا أَوْلَادَكُمْ إِنْ فَسَدُوا وَلَكِنْ لُومُوا انْفُسَكُمْ.
لَقَدْ ذُكِرْتْ الْقِرَاءَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
أَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
إِنَّ مِنْ فُؤَائِدِ الْقراءهِ الْجَلِيهِ هِيَ سُرعهُ إِدْرَاكُ مَنْ يَقْرَأُ لِلْأُمُورِ مِنْ حَوْلِهِ وَكَأَنَّهُ أَصْبَحَ مُحَلِّلاً اسْتِرَاتِيجِيًّاً يَرْبُطُ الْأُمُورَ بِبَعْضِهَا لِيَصِلَ الِي اصْغَرْ وَادقَ النَّتَائِجَ ، الْمَلْمِ بِالْقُرَّاءِهِ تَجِدُهُ سَرِيعَ الْبَدِيهِهِ وَمُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ يَسْتَطِيعُ حَلَّ مُشْكِلَاتِهِ بِنَفْسِهِ وَيَسْتَطِيعُ أَيْضًا أَنْ يَضَعَ خُطَطَاً بَدِيلِه عَلِيَّ عَكْس الْجَاهِلِين بِالْقراءهِ تجِدهُ يَقِفُ مَكْتُوفَ الَايْدِي يَبْحَثُ عَنْ غَيْرِهِ لِيُقَدِّمَ لَهُ الْحُلُولَ.
فَالْقِرَاءَةُ هِيَ الَّتِي تَبْنِي شَخْصِيَّتكَ ،وَتقومُ مَهَارَاتُكَ كَمَا انَّهَا سَبَبٌ فِي تَأَلُّقِكَ فِي نَوَاحِي الْحَيَاهِ، فَالِانْسَانُ الْمُثَقَّفُ الْمُتَطَلِّعُ الْوَاعِي يُدْرِكُ سُبُلَ التَّقَدُّمِ وَالرُّقِيِّ قَبْلَ غَيْرِهِ بِزَمَنٍ فَيَكُونُ لَدَيْهِ كُلُّ سُبُلِ الْعِلْمِ الَّتِي نَالَ فِيهَا السَّبْقَ قَبْلَ غَيْرِهِ مِنْ اقْرَانِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْقراءهِ ، الْقراءهُ غِذَاءٌ لِرُوحِكَ ، وَعَقْلُكَ ، غِذَاءٌ لِبَدَنِكَ غِذَاءً لِفِكْرِكَ وَثَقَافَتِكَ ، الْعِلْمُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ ، لَيْسَ لَهُ نِهَايهُ لِذَلِكَ كُلَّمَا قَرَأْتَ وَاطَّلَعْتَ كُلَّمَا أَدْرَكْتَ أَنَّكَ لَا تَعْرِفُ شَيْءٌ ، وَكُلَّمَا أَدْرَكْتَ أَنَّكَ بِحَاجِهِ لِكَيْ تَعْلَمَ وَتَتَعَلَّمَ ، الْقراءَهُ لَيْسَ لَهَا نِهَايَهِ وَلَيْسَ لَهَا عُمر مِثْلُ الْعِلْمِ تَمَامًاً لَيْسَ لَهُ نِهَايُهِ وَلَيْسَ لَهُ عُمَرُ
مَا دُمْت تَتَنَفَّسُ فَ أنْتَ بِحَاجه لَأَنْ تَتَعَلَّمَ وَتَقْرَأَ ، مَا دُمْتَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ فَأَنْتَ بِحَاجِهٍ لِتَنْمِيَةِ عَقْلِكَ وَإِثْقَالِهِ بِالْقِرَاهِ ، مَا دُمْتَ تَسْعَي لِتَلْبِيَةِ رَغَبِهِ مَعِدَتَكَ بِإِطْعَامِهَا ،فِعَلَكَ بِتَلْبِيَةِ رَغْبَةِ عَقْلِكَ بِملْئِهِ بِالْمعَرِفهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعَرِفَهَ لَنْ تَأْتِيَكَ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ الْقراءه فَازْحَفْ لِلْمُعَرِفهِ أولا ً حَتَّي تَزْحَفَ لَكَ هِيَ .
وَقَدْ ذُكِرَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الْكَثِيرِ مِنْ دَوَاوِينِ الشِّعْرِ وَمِنْهَا
ديوَانُ مِصْر لِلشَّاعِرِ أَحمد شَوْقِي
أَنَا مَنْ بَدَّلَ بِالْكُتُبِ الصَّحَابَا لَمْ أَجِدْ لِي وَافِيًاً إِلّا الْكِتَابَا
صَاحِبٌ إِنْ عِبَتَهُ أَوْ لَمْ تَعِبْ لَيْسَ بِالْوَاجِدِ لِلصَّاحِبِ عَابًّا
كُلَّمَا أَخْلَقْتُهُ جَدَّدَنِي وَكَسَانِي مِنْ حِلَى الْفَضْلِ ثِيَابًا
صُحْبَةٌ لَمْ أَشُكُ مِنْهَا رِيبَةً وَوِدَادٌ لَمْ يُكَلِّفْنِي عِتَابًا
إِنْ يَجِدْنِي يَتَحَدَّثُ أَوْ يَجِدُ مَلَلًاً يَطْوِي الْأَحَادِيثَ اِقْتِضَابًا
تَجِدُ الْكُتُبَ عَلَى النَقْدِ كَمَا تَجِدُ الْإِخْوَانَ صِدْقًاً وَكِذَّابًا
فَتَخَيَّرُهَا كَمَا تَخْتَارُهُ وَاِدَّخِرَ فِي الصَحْبِ وَالْكُتُبِ اللُبَابَا
صَالِحُ الْإِخْوَانِ يَبْغِيكَ الْتُقَى وَرَشِيدُ الْكُتُبِ يَبْغِيكَ الصَوَابَا
غَالِ بِالتَّارِيخِ وَاِجْعَلْ صُحُفَهُ مِنْ كِتَابِ اللَهِ فِي الْإِجْلَالِ قَابًّا
قَلِّبِ الْإِنْجِيلَ وَاِنْظُرْ فِي الْهُدَى تَلْقَ لِلتَّارِيخِ وَزْنًاً وَحِسَابًا
فَحِينَمَا تَبْدَأُ بِالْقراءهِ سَتَجِد أَنَّ حَالَكَ تَغَيِّرُ ، وَأَنَّ مَدَارِككَ تَوَسَّعَتْ ، سَتَجِدُ مَشَاعِركَ تَبَدَّلْتْ مُنْذُ بِدَايهِ الْكِتَابَ الِيَّ نِهَايَته، سَتَجِدُ انَّكَ أَصْبَحْتَ إِنْسَانًاً جَدِيداً ، وَأَنَّ هُنَاكَ تَغَيُّراً كَبِيراً طَرَأَ عَلَيْكِ وَعَلَيَّ شَخْصِيَّتكَ ، أَصْبَحت نَظَرَاتُكَ دَقِيقَه ، أَصْبَحَ تَفْكِيرُكَ أَرْقَى وَأَعْمَق وَانْضَجْ مَعَ كُلِّ كِتَابٍ تَقْرَأُهُ سَتَشْعُر فِي نِهَايَتِهِ أَنَّكَ أَصْبَحْتَ انْسَانًاً آخَر ، انْسَانًاً أَجْمَلَ مِمَّا كُنْتَ عَلَيْهِ فِي السِّبَاقِ سَتَشْعُر بِالرَّضي عَنْ نَفْسِكَ وَعَقْلِكَ ، سَتَشْعُرُ فِي الْمُجْمَلِ أَنَّكَ بِحَالَه جَيِّدَة.
#إسراء الجبالي