JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
الصفحة الرئيسية

"رواية الدِّين.. قراءة في رواية شرود أبيض"


بقلم: أحمد أبوسيف

قراءة الدين في الرواية ليست عملا جديدا، فالتلقي الديني للرواية يختلف بشكل عام؛ بين ما هو تأويل للروحية والمظاهر الدينية في الرواية كما فعل الدكتور محمد حسن عبدالله في كتابه (الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ)، وبين ما هو هجوم على هذا الفن ورموزه (ومثل هذا كثير).

وعلى كلٍ فالرواية وعاء ثقافي وخطاب يوجه إلى الناس ليس فقط للإمتاع وإنما أيضا ليحمل لهم رؤية إصلاحية, وليس هناك أفضل من الدين بوصفه وسيلة لتوجيه الناس إلى الخير، من هذا ما فعله الناقد والروائي الدكتور محمد سليم شوشة في روايته (شرود أبيض).

محمد سليم شوشة، أستاذ الأدب بكلية دار العلوم جامعة الفيوم.. حصل على ليسانس لغة عربية وعلوم إسلامية من كلية دار العلوم بجامعة الفيوم عام 2006م، وعلى ماجستير لغة عربية وعلوم إسلامية من كلية دار العلوم عام 2010م. حصل على دكتوراه اللغة العربية من قسم الدراسات الأدبية في كلية دار العلوم بجامعة الفيوم عام 2013م بمرتبة الشرف الأولى، وعُين مدرسًا بقسم الدراسات الأدبية في عام 2013م.

نال العديد من الجوائز الأدبية منها: الجائزة الأولى فى المواهب من المجلس الأعلى للثقافة فى مصر عن رواية "شرود أبيض" لعام 2013م، والمركز الأول فرع الرواية بالمسابقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة لعام 2015/ 2016م عن رواية "سور ثلجي في الصحراء".

وله العديد من الأعمال الأدبية منها: (رواية نصف يوم 2013م، رواية شرود أبيض 2014م، رواية سور ثلجي في الصحراء 2016م.. المجموعة القصصية ذات النقاب الزنجية 2010).

وتأتى رواية شرود أبيض سردا ذاتيا لبطل الرواية وهو الأستاذ الجامعى ـ بما تحمله المهنة من أبعاد اجتماعية وثقافية ـ (حميد).. فيحكى لنا فيها حياته بشكل استدعائي منذ الصغر حين نشأ في قرية ريفية، وترعرع حتى تخرج في الجامعة وعين معيدا فيها، ثم تزوج زواجا طبيعيا، ويعيش حياة مليئة بالمفارقات إلى أن يصادف ديمة السورية التى تأسر قلبه وعقله ويتزوجها وتهرب بعد أن تحمل معها ابن له لتستقر به في الولايات المتحدة الأمريكية، ويظل يسرد حياته ومتغيراتها بعد أن أصابه العمى وأصبح يكتب ليسطر آلامه وأحزانه.

 يمثل الدين جزءًا محوريًا في حياة البشر ويتبنى كل منهم وجهة نظر تجاه الدين قد تصيب وقد تخطئ، ولكن يبقى الدين بريئا من كل الرؤى محايدا عنها.

وظهر مفهوم الدين عند الكاتب عبر شخصيات روايته (حميد بطل الرواية, وصديقه كميل المسيحي، وغانم عضو الجماعة الإسلامية، وطيف من شخصية لم يظهر ولم يسمح بظهوره كأن الكاتب تعمد ذلك وهو المتشدد الذي هدد بإيذاء كميل)، عبر تلك الشخصيات قرر الكاتب أن يضع الدين كما يتصوره البشر ويطبقونه في قوالب إنسانية حتى يسهل التعرف عليه فمن الطبيعي أن ترى النماذج الثلاثة الأولى.. ومن الطبيعي أيضا أن تسمع عن النموذج الرابع الذي يتغذى على الظلام، وينتشر وينمو فيه.

وفيما يلي سنقف مع هذه الشخصيات: 
1- حميد: حميد شاب مسلم نشأ في كتّاب القرية وحفظ القرآن، يصلى بشكل منتظم، الصلاة جزء من حياته, يعتنق آراء حرة أثارت حفيظة الناس من حوله، ويتجنب الصدام, بل ويتجنب إبداء آراءه أمام الناس, حتى وصل الأمر ببعضهم بأن أتهمه بالليبرالية – كأنها سبة بين الناس – ومع ذلك ينفى عن نفسه ذلك قائلا "يا أيُّها الناس، هل أحتاج لأنْ أصرخ فيكم وأذكِّركم كلَّ مرةٍ بأني ابنكم القديم ذاته الذي حفظ القرآن صغيرًا في كُتَّاب الشيخ مجاهد ورأيتموه جميعًا وهو يبزُّ الخطى إلى المسجد عقب كلِّ أذانٍ؟ هل أحتاج لهذا أم أحتاج للحوار والإقناع أم أحتاج للخنوع والرضا وإطلاق لحيتي وترديد ألفاظ المنافقين؟"(الرواية ص 63)   وهو يسأل هل يجب عليّ أن أرضى وأخنع حتى تؤمنوا بإسلامي أم أنه يجب عليّ أن أتمظهر بهذا الزي وتلك اللحية حتى تؤمنوا بإسلامي وهذا الجانب المعلن في عبادته الجسدية الظاهرة للعيان.

من جانب آخر يرى حميد أن الدين علاقة خالصة بين العبد وربه لا يجب أن يعكر صفوها شئ فهو حين يتوضأ يتلذذ بالوضوء ويتخلص من أدرانه وحين يصلي يخلص صلاته لله لا للناس " أذان العصر تسلَّل حانيًا مِن خلل الشُّباك الخشبيّ القديم، وحرّضني على التلذُّذ بنقاء الوضوء والتخلُّص مِن أدراني التي أثقلتْ عقلي وأجهدت روحي"( الرواية ص 63)  هكذا صور لنا الكاتب حياة حميد الدينية في صورة من صور الاعتدال فهو لا يؤذي غيره، يعرف الحلال والحرام، يصلي ولا يحب المتأسلمين أصحاب المظاهر والمتشددين المتشدقين، ويمثل هذا الجانب الإسلام الروحي الخالص البعيد عن التظاهر.

2- كميل: كميل هو أحد أكثر الشخصيات حضورا في الرواية كميل شاب مصري مسيحي هو صديق لحميد يحمل الكثير من الصفات الإنسانية الراقية فهو متواضع متسامح محب للخير قادر على إضحاك الغير رغم ما يحمله في قلبه من حزن, كما أنه لا يخوض في الحكايات الجنسية أبدا, ولا يمكنه أن يتابع البنات، ولا أن يتسكع على المقاهي, ولا يعبأ بالمال أبدا.

تعرض كميل للتهديد على يد أحد المتشددين في قرية المحارب، واستشهد في انفجار كنيسة " كميل قليلاً ما يذهب للكنيسة أصلاً" (الرواية ص 133) . ستحب كميل لأخلاقه ولوداعته ولحبه لغيره ولحبه لحميد.

كميل هنا يمثل روح الأخلاق وثمرة ما تصبو إليه الديانات من تناغم وحب للحياة وللإنسان في جوهره بعيدا عن كل حقد وتعصب وغل، حتى وإن كان قليل الصلاة فهو كثير العبادة بالمعاملة.

هذا النمط من البشر منتشر في كل الديانات فهو يشبه كثيرا حميد المسلم، الذي تغلب طباعه الأخلاقية على الممارسات الدينية منزوعة المعاملة، المثيرة للضغينة أكثر من التسامح والذي هو جوهر كل دين سماوي.

3. غانم: غانم ابن جمعه أبو هارون عضو الجماعة الإسلامية كثير الجدال في الدين والسياسة، ويظنُّ دائما أن كل من ارتاد المسجد يمكن أنْ ينضمَّ لهم.

 غانم سُجِنَ كثيرًا هو وأخٌ له آخرُ وبقيا في المعتقل أعوامًا لم تغيِّر فيهما شيئًا، "يتحدَّثان عن القتل وفضِّ الاعتصامات ، يَشكُوان القسوة مِن النظام ثم في غفلةٍ منهما يؤكِّدان أنَّ خطأ الإخوان الوحيد أنهم لم يَقتُلوا مثل الذين جاءوا بعدهم، ويتندَّمون على أنهم لم يستغلّوا الفرصة ويقتلوا ويسجنوا المعارضين لهم حتى يستتبَّ لهم الحكم، شعبان يعرف أني ضدّ القمع وضدّ القتل ودائمًا ما يحاول الدخول لي مِن هذا المَدخل، وغانم يحاول الدخول لي مِن باب العلم ومسئولية أستاذ الجامعة الذي هو ضمير الأمة كما يقول" (الرواية ص 119).

غانم يمثل متشددي الدين أصحاب الآراء التى لا روح لها المتشدقون الذين لا يرون أخطاءهم بل وخطاياهم، ويصفون أنفسهم أنهم الأجدر دون غيرهم على معرفة وقراءة بل وحماية الدين ومقدساته، لم يذكر الكاتب تفاصيل كثيره عن حياة غانم ولم يحدد ما إذا كان هو من هدد كميل أم غيره، يبدو أن ذلك لا يهم إذ الغاية في ذكر التشدد هو أنه أحادى الفكر لا يقبل الآخر ولا المخالف أيا كان.

اعتمد هذا المقال على الطبعة التالية من الرواية: "محمد سيلم شوشة، شرود أبيض (رواية) المجلس الأعلى للثقافة ط 1 عام 2015م".
"رواية الدِّين.. قراءة في رواية شرود أبيض"

غير معرف

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة