كتب: أيمن بحر
كشف اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخبير الأمني ومكافحة الإرهاب، سر ارتباط جاك شيراك الرئيس الفرنسي الأسبق بالعرب والشرق الأوسط.
وقال الخبير الأمني عن شيراك: "تحدى واشنطن، وقال لا لحرب العراق عام 2003، كما ارتبط بعلاقات شخصية خاصة بالعديد من القادة العرب.. إنه الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك الذى رحل عن 86 عاما.. فما سر ارتباط شيراك بالشرق الأوسط وما أبرز مواقفه العربية؟
وتابع الخبير الأمني: يظلّ الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك الذى رحل عن عالمنا الخميس (26 سبتمبر 2019)، الزعيم الغربى الأبرز الذى ربطته على مدى عقود صداقات راسخة بعدد من زعماء العالم العربى، الذين رحل معظمهم اليوم، والرئيس الذى رفض المشاركة فى غزو العراق في 2003، والرئيس السابق لبلدية باريس كان مقرّبا بشكل خاص، منذ بداية الثمانينيات، من رئيس الوزراء اللبنانى الراحل ورجل الأعمال الثرى رفيق الحريرى، الذى أغتيل فى بيروت فى 14 فبراير 2005.
وكان شيراك أول رئيس غربى يقوم بزيارة رسمية إلى لبنان فى 1996 منذ انتهت الحرب الأهلية فى بلد الأرز فى 1990 وهو أيضا الرئيس الغربى الوحيد الذى حضر جنازة صديقه رفيق الحريرى، قبل أن يجمّد العلاقات الدبلوماسية الرفيعة المستوى مع سوريا التى إتّهمت باغتيال الزعيم اللبنانى السنّى، وهو ما نفته دمشق على الدوام.
وعندما غادر قصر الإليزيه فى 2007 أقام الرئيس السابق فى شقة فى باريس، على ضفاف نهر السين وضعتها تحت تصرّفه عائلة الحريرى لأكثر من ثمانى سنوات ونعى نجل رفيق الحريرى، رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى الرئيس الراحل بالقول غاب عن العالم اليوم رجل من أعظم الرجال الذين أنجبتهم فرنسا".
وأضاف أنّ شيراك يرحل بعدما كتب تاريخا حافلا بالإنجازات تشهد عليها قضايانا العربية واللبنانية (...) وأمسك بيد لبنان فى أصعب الظروف".
وتميّز ارتباط جاك شيراك بمنطقة الشرق الأوسط بعلاقات شخصية وطيدة جمعته بقادة العديد من الدول العربية فى ذلك الوقت.
وكان الراحل قريبا من نظيره المصرى حسني مبارك كما جمعته على مدى 25 عاما علاقة صداقة قوية مع الملك الحسن الثانى، عاهل المملكة المغربية التى قضى فيها شيراك إجازات عدة.
وارتبط بعلاقات وثيقة مع مؤسّس دولة الإمارات الشيخ زايد، الذى توفى فى 2004، ناهيك عن شبكة قوية من العلاقات مع قادة السعودية.
والرئيس الراحل الذى كان ياسر عرفات يلقّبه بـالدكتور شيراك؛ اعترافا منه بالدعم الذى كان يلقاه منه فى الأوقات العصيبة، أحيا السياسة العربية والمتوسطية" لفرنسا فى خطاب شهير القاه فى القاهرة فى أبريل 1996.
بيد أنّ الصحفيَّين إريك أيشيمان وكريستوف بولتانسكى، مؤلّفى كتاب شيراك العرب إنتقدا بشدّة ما وصفاها بـ التغييرات المتواصلة فى مواقفه معتبرَين أنّ السياسة العربية لفرنسا والتى حاول جاك شيراك تطبيقها تبقى مشوبة بشكّ - مبرّر - بأنّها ليست سوى محاولة لإحياء عظمة مفقود.
ومن بين المشاهد الخالدة فى الذاكرة العربية المواجهة التي دارت فى القدس الشرقية في 22 أكتوبر 1996 بين شيراك والشرطة الإسرائيلية حين إنفجر الرئيس الفرنسى غاضبا بوجه قائد الشرطة الإسرائيلية الذى حاول التضييق عليه خلال زيارته البلدة القديمة.
وقال الرئيس الفرنسى الراحل يومها لقائد الشرطة بنبرة ساخطة: بنىّ.. هل تريدنى أن أعود إلى طائرتى؟ فى مشهد تناقلته شاشات التلفزة فى جميع أنحاء العالم، وبحسب الصحفيين إريك أيشيمان وكريستوف بولتانسكى فإنّ صيحة الغضب هذه ستكون بمثابة نقطة تحوّل، وستجعل منه أسطورة، وستطبع سنوات حكمه وستحدّد على الدوام صورة الرئيس فى المنطقة.
وسيحفظ التاريخ لجاك شيراك، خاصة أنّه الرئيس الفرنسى الذى رفض اللحاق بركب الأمريكيين فى غزو العراق فى 2003، على عكس سلفه الاشتراكي فرانسوا ميتران الذى أرسل فرقة عسكرية صغيرة للمشاركة فى حرب الخليج الأولى فى عام 1990.
واقتنع يومها بأنّ الحرب ستزعزع استقرار المنطقة، أوكل شيراك الى دومينيك دو فيلبان، وزير خارجيته، مهمّة قيادة المعركة الدبلوماسية فى الأمم المتحدة ضدّ غزو العراق، ويومها هدّد الرئيس الفرنسى باستخدام الفيتو فى مجلس الأمن الدولى وسعى الى تشكيل جبهة رفض، فى موقف يسيء لسنوات عديدة الى العلاقات مع الولايات المتحدة، لكنّه سيعود على شيرك بإنتصار معنوى تردّد صداه فى العديد من البلدان.