كان الاحتيال البنكي في الماضي عملاً يدويًا تقليديًا: رسالة بريد إلكتروني رديئة الصياغة، مكالمة صوتية مشبوهة، أو بطاقة ائتمان مسروقة، أما اليوم، فقد دخلنا عصرًا جديدًا، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة في يد المجرم، بل أصبح هو الجاني ذاته، فهو يفكر، يخطط، يكتب، يتحدث، يقلد، يتعلم وينفذ بسرعة ودقة تتجاوز قدرة البشر.
ولم يعد المحتال يجلس في غرفة مظلمة، بل أصبح برنامجًا رقميًا يعمل على خوادم في دولة مجهولة، يدير آلاف العمليات في الثانية، ويختفي قبل أن يتم اكتشافه، وهذا التحول يشير إلى ولادة شكل جديد من الجرائم، لا يترك بصمات أو وجهًا بشريًا.
من التصيد التقليدي إلى التصيد الذكي:
في السابق، كان المحتال يرسل رسالة بريد إلكتروني مليئة بالأخطاء تطلب تحديث كلمة المرور، واليوم، يستخدم الذكاء الاصطناعي نماذج لغوية متقدمة تكتب رسائل تبدو كأنها صادرة عن البنك نفسه، بلغة عربية فصحى أو بلهجة محلية، مع إدخال أسماء العملاء الحقيقية وتفاصيل معاملاتهم الأخيرة.
تقنيات تزييف الصوت والوجه:
التحقق البشري لم يعد كافيًا، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي توليد مكالمات هاتفية تبدو بصوت الشخص نفسه بعد تحليل 3 ثوانٍ فقط من تسجيل صوتي.
حسابات وهمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي:
أصبح بإمكان الذكاء الاصطناعي إنشاء آلاف الحسابات الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي بصور وشخصيات مزيفة، وسير ذاتية ومنشورات طبيعية للغاية.
هجمات التصيد الموجه بدقة متناهية:
بدلاً من إرسال رسائل عشوائية، يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات الضحية المتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي لتصميم هجمات شخصية للغاية.
اختراق كلمات المرور بذكاء متقدم:
برامج كسر كلمات المرور التقليدية استُبدلت بنماذج ذكاء اصطناعي تتعلم أنماط تكوين كلمات المرور البشرية من ملايين كلمات مسربة، ما يضاعف سرعة الاختراق.
مستقبل الاحتيال البنكي: التلقائية الكاملة
المرحلة القادمة هي أن يصبح نظام ذكاء اصطناعي مستقلاً تمامًا قادرًا على اكتشاف الضحايا وتصميم الهجوم وتنفيذه وتحويل الأموال ثم محو آثاره، دون تدخل بشري، وبعض الشبكات تستخدم بالفعل وكلاء ذكاء اصطناعي يعملون 24 ساعة لتعلم وتحسين عملياتهم .
مواجهة الذكاء الاصطناعي: ثغرة الثقة
الاحتيال بالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل يعيد تشكيل الجريمة المالية بشكل جذري: أسرع، أكثر دقة، وأصعب في التعقب، الأمر يتطلب إدراك أن "الثقة" تحولت إلى نقطة ضعف.
الخاتمة
غيّر الذكاء الاصطناعي تعريف الجريمة المالية جذريًا، حيث لم نعد نواجه مجرمًا بشريًا يخاف أو يتعب، بل كيانًا رقميًا لا ينام ويتعلم من كل فشل ليصبح أكثر فعالية وشراسة، وحالياً تحولت "الثقة" إلى الثغرة الأمنية الأخيرة والأكبر، إذ يمكن للرسالة الأجمل أو الصوت الأقرب أو الوجه الألطف أن يكون أداة العدو الأخطر، ومع ذلك، يبقى الحل في استخدام الذكاء الاصطناعي ذاته لمواجهة هذه التهديدات، من خلال أنظمة كشف متقدمة تعزز الامتثال وتقلل التنبيهات الكاذبة.
