JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Startseite

الدكتور محمد حسين الضاهر يكتب : " شرعنة الجريمة:تجارة الأعضاء بين ظلال القانون وبياض الأوراق"

 

الدكتور محمد حسين الضاهر يكتب : " شرعنة الجريمة:تجارة الأعضاء بين ظلال القانون وبياض الأوراق"


تُعتبر تجارة الأعضاء البشرية واحدة من أخطر الجرائم التي تنتقص من كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، حتى وإن حاولت بعض الجهات تغليفها بغطاء قانوني مزيف، على الرغم من أن هذه الظاهرة غالباً ما تُرتبط بالسوق السوداء، إلا أن الحقيقة المؤلمة تكمن في أنه في بعض الحالات، تُمارس تحت ذرائع قانونية داخل مؤسسات طبية وقانونية رسمية، ما يمنحها شرعية شكلية تخفي وراءها ممارسات غير قانونية تنطوي على استغلال الفقراء والضعفاء.


الجريمة القانونية: تعريف تجارة الأعضاء وإطارها القانوني:


تُعرف تجارة الأعضاء بأنها نقل أو بيع أعضاء بشرية دون موافقة كاملة ومنضبطة من المتبرع، وغالباً ما تتم عبر استغلال حالات الضعف أو التهديد أو تلقين ضحاياهم بوعود كاذبة، وهذا النشاط يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان ويُجرّم بحزم في القوانين الوطنية والدولية، كما تحرمه الشرائع الدينية بقيادة الشريعة الإسلامية التي تؤكد على حرمة الجسد ورفض التجارة فيه، معتبرة إياه أمانة لا يجوز التصرف بها بمنطق الربح والخسارة.


بياض الأوراق: كيف تتحول الجريمة إلى إجراء قانوني؟


في بعض الحالات، تُستخدم موافقات مكتوبة تبدو قانونية كغطاء لعمليات تجارة الأعضاء، حيث يُستغل المتبرعون المحتاجون أو الضعفاء اجتماعياً واقتصادياً، ويتم إصدار موافقات على الورق في لجان طبية أو عبر مستندات رسمية دون تحقق فعلي من رضا المتبرع أو ظروفه، مما يخلق شرعية شكلية لعمليات مخالفة للقانون، وقد تُستغل الوثائق القانونية بهذا الشكل كذرائع لإخفاء ممارسات التهديد والاستغلال، مما يسهل انتشار هذه الجرائم حتى في أماكن يُفترض أنها تخضع لإجراءات أمنية ورقابية مشددة.


الوسطاء والاستغلال الاجتماعي: الآلية الخفية لترويج الجريمة:


يبرز الوسطاء كقوة دافعة في تجارة الأعضاء، إذ يقومون بتسويق الأعضاء بأسعار متفاوتة تبعاً لوعي الضحية وقدرته على المطالبة بحقوقه، وبعض المجتمعات قد تقع في فخ التبرير المجتمعي لهذه التجارة بدعوى الفقر والضرورة، ما يزيد تعقيد القضية ويدفع إلى إضاعة فرص الحماية القانونية الفعالة.


مكافحة الجريمة وتعزيز الرقابة:


بالرغم من أن معظم الدول تضع عقوبات صارمة على المتاجرين والوسطاء، تشمل السجن والغرامات، يظل تطبيق هذه العقوبات مرتبطاً بقوة أنظمة الرقابة الصحية والقانونية، فتعزيز آليات التدقيق، وتفعيل الرقابة المستقلة على إجراءات التبرع واستخدام الأعضاء، بالإضافة إلى رفع وعي المعنيين بحقوق المتبرعين، يُعد شرطاً أساسياً لقطع دابر هذه الجريمة.


حلول القضاء على تجارة الأعضاء البشرية:


1-تعزيز القوانين والتشريعات: وضع وتحديث قوانين صارمة تجرم تجارة الأعضاء وتعاقب المسؤولين، مع الالتزام بالاتفاقيات الدولية وتفعيل التعاون القضائي والجنائي.


2-تقوية الرقابة والإشراف الطبي والقانوني: فرض رقابة دقيقة عبر لجان مستقلة للتحقق من رضا المتبرعين بحرية ومنع الاستغلال، وتشديد التفتيش على المنشآت الصحية لمنع التواطؤ.


3-التوعية المجتمعية المستمرة: إطلاق حملات توعية على مستوى المجتمع بأخطار تجارة الأعضاء وأهمية التبرع الطوعي، مع استهداف الفئات الضعيفة ببرامج حماية وإرشاد.


4-التعاون الدولي والمحلي: تعزيز التنسيق بين السلطات لإنفاذ القانون وتفكيك شبكات الاتجار، مع مراقبة الأسواق والمناطق المشبوهة بفعالية.


5-حماية حقوق المتبرعين والضحايا: تقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا وحمايتهم من الاستغلال، مع تمكينهم من المطالبة بحقوقهم عبر آليات قضائية فعالة.


في الختام


إن تجارة الأعضاء ليست مجرد جريمة خفية، بل تؤثر على نسيج المجتمع وأخلاقياته حينما تتستر برداء القانون وتنفذ تحت مظلته، وحماية المتبرعين وضمان تبرعهم الطوعي الكامل، ووضع ضوابط قانونية صارمة تضمن شفافية الإجراءات، هي الخطوط الحمراء التي يجب الحفاظ عليها لمنع شرعنة جريمة تهدد الإنسان وحقوقه، والتحدي الحقيقي هو في الجمع بين القانون والضمير الإنساني لضمان ألا تصبح الأوراق البيضاء ذريعة لإثارة مظاهر سوداء من الانتهاك والاستغلال.

NameE-MailNachricht