JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Startseite

الدكتور محمد حسين الضاهر يكتب : " الخطاب العام بين الردع والتحريض: كيف تحرض السينما والدراما ووسائل التواصل الاجتماعي على الجريمة "

الدكتور محمد حسين الضاهر يكتب : " الخطاب العام بين الردع والتحريض: كيف تحرض السينما والدراما ووسائل التواصل الاجتماعي على الجريمة "




بقلم: الدكتور محمد حسين الظاهر 


في العصر الحديث، أصبحت وسائل الإعلام والدراما ووسائل التواصل الاجتماعي من أكثر الأدوات تأثيراً في تشكيل وعي وسلوك الأفراد داخل المجتمع ، وبينما يُنتظر من هذه المنصات أن تساهم في التوعية وبناء القيم الإيجابية، إلا أن الواقع يكشف عن جانب مظلم، حيث تحولت أحياناً إلى منصات للتحريض على الجريمة أو تمجيد العنف بصورة قد تترك آثاراً عميقة على الشباب والمراهقين.


الدراما والسينما وتأثيرها في تحفيز السلوك الإجرامي: 


كثير من الأفلام والمسلسلات في السنوات الأخيرة لم تكتفِ بعرض الجريمة كظاهرة اجتماعية تحتاج إلى معالجة، بل قدمتها أحياناً في إطار يثير التعاطف مع المجرم أو يصوره كبطل شعبي، وتتكرر مشاهد البلطجة والانتقام والاحتيال في أعمال درامية وسينمائية، وتُعرض بأسلوب يجعل من مرتكبي الجرائم شخصيات محبوبة أو مثيرة للإعجاب، ما قد يدفع بعض المتابعين، خاصة من صغار السن، إلى تقليد هذه النماذج في الواقع، كما أن تكرار مشاهد العنف أو تصوير الجريمة كوسيلة لحل المشكلات يعزز لدى البعض فكرة أن العنف مقبول اجتماعياً أو حتى ضروري في بعض الظروف.


وسائل التواصل الاجتماعي: التحريض السريع والانتشار الواسع:


لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي تقتصر على كونها منصات للتواصل أو الترفيه فحسب، بل تحولت إلى ساحات لنشر أفكار وسلوكيات خطيرة تهدد المجتمع، وظهرت بالفعل حالات واقعية لمنشورات وفيديوهات تحرض على العنف والانتقام، خاصة في قضايا شغلت الرأي العام، مثل الاعتداء على الفتيات أو التحريض على الانتقام نتيجة خلافات شخصية، وتُعد سرعة انتشار هذه المواد وسهولة تفاعل المستخدمين معها عوامل تزيد من خطورتها، متجاوزة بذلك تأثير وسائل الإعلام التقليدية.


علاوة على ذلك، يستغل بعض مستخدمي هذه المنصات هذه الوسائل لبث رسائل تحريضية أو تبرير أفعال إجرامية، مما يخلق بيئة مشجعة على ارتكاب الجرائم ويقلل من إدراك خطورتها، وقد لوحظ أن العديد من الجرائم التي وقعت بالفعل كانت نتيجة تحريض مباشر أو غير مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء عبر مجموعات مغلقة أو منشورات عامة، مما يستوجب اتخاذ إجراءات قانونية واجتماعية صارمة للحد من هذا التأثير السلبي.


أمثلة واقعية من المجتمع المصري:


شهدت مصر في السنوات الأخيرة عدداً من الجرائم التي ارتبطت بشكل أو بآخر بتأثير الدراما أو التحريض عبر الإنترنت، ومن ذلك، قضايا قتل أو اعتداء على فتيات بدافع الانتقام بعد رفض الزواج، حيث انتشرت على الإنترنت منشورات تشجع على هذا السلوك أو تبرره، كما ظهرت جرائم ابتزاز إلكتروني، حيث يستغل بعض الجناة منصات التواصل لتهديد الضحايا ونشر صورهم أو معلوماتهم الخاصة.

وفي مجال الدراما، لاحظ كثيرون تزايد مشاهد العنف والانتقام في بعض المسلسلات، ما دفع بعض الأسر إلى المطالبة برقابة أشد على المحتوى الموجه للشباب، خوفاً من أن يتحول الإعجاب بالشخصيات الإجرامية إلى تقليد في الواقع.


المطالبة بتوقيع العقوبات القانونية:


في مواجهة خطر التحريض على الجريمة، تبرز أهمية فرض عقوبات رادعة على كل من يشارك في أعمال التحريض، سواء عبر الأفلام أو المسلسلات أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى، وينص القانون المصري، وتحديداً المادة 40 من قانون العقوبات، على اعتبار المحرض شريكاً في الجريمة إذا وقعت بناءً على تحريضه، ويُعاقب بالعقوبة نفسها المقررة للفاعل الأصلي، مما يؤكد خطورة دور التحريض في دفع الأفراد لارتكاب الجرائم.


كما تنص المادة 171 من القانون على معاقبة كل من حرض واحداً أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علناً أو بفعل أو إيماء صدر منه علناً أو بكتابة أو رسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكاً في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا التحريض وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل.

ونصت المادة 172 على معاقبة كل من يحرض علناً على ارتكاب جنايات مثل القتل أو النهب أو الحرق، نظراً لما يترتب على ذلك من تهديد خطير لأمن المجتمع واستقراره، ويؤكد القانون ضرورة حماية الأفراد والمجتمع من خطاب الكراهية والعنف، مع الحفاظ على التوازن الدقيق بين حرية التعبير وضرورة حفظ السلم الاجتماعي.


ويُعد التحريض جريمة مستقلة ذات تأثير بالغ الخطورة، إذ يخلق في ذهن الفاعل نية ارتكاب الجريمة، حتى وإن لم تكن موجودة سابقاً، لذلك، يضع المشرع المصري التحريض في مرتبة الجرائم التي تستوجب عقوبات صارمة، تصل في بعض الحالات إلى السجن المشدد أو الإعدام، خاصة إذا ارتبط التحريض بجرائم جسيمة.


ومن هنا، فإن تطبيق هذه العقوبات بشكل صارم وفعّال يشكل ركيزة أساسية في التصدي لظاهرة التحريض على الجريمة، ويُسهم في حماية المجتمع من تداعياتها الخطيرة، ويعزز من أمنه واستقراره.


ضرورة المعاقبة على التحريض غير المباشر:


لا يقتصر التحريض على الدعوة المباشرة لارتكاب الجرائم، بل يشمل أيضاً التحريض غير المباشر الذي يظهر من خلال بث رسائل أو مشاهد تزرع فكرة العنف أو الجريمة في ذهن المشاهدين بشكل غير صريح، مما قد يدفع البعض إلى تقليد هذه السلوكيات في الواقع، لذلك، يجب أن يخضع هذا النوع من التحريض للمساءلة القانونية الصارمة، إذ إن إهمال معاقبته يفتح المجال لانتشار السلوكيات الإجرامية ويهدد السلم الاجتماعي، ومن هنا تبرز أهمية تفعيل القوانين الرادعة لحماية المجتمع من تأثيرات هذا الخطاب التحريضي، سواء عبر السينما أو الدراما أو منصات التواصل الاجتماعي.

الجريمة ليست وليدة الشاشة فقط:


رغم التأثير السلبي للسينما والدراما ووسائل التواصل الاجتماعي على السلوك، لا يمكن تحميلها وحدها مسؤولية الجريمة، إذ تلعب العوامل الاجتماعية والتربوية دوراً أساسياً في نشوء الظاهرة الإجرامية، ويؤكد خبراء علم الإجرام، ومن ضمنهم رواد المدارس الكلاسيكية والواقعية والأنثروبولوجيا الجنائية (المدرسة التكوينية)، أن الجريمة ظاهرة قديمة ومتجذرة في المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ، حيث تعود جذورها إلى عوامل بيولوجية واجتماعية ونفسية، وليس فقط إلى المحتوى الإعلامي، لذلك، يجب على صناع المحتوى تحمل المسؤولية في تقديم خطاب متوازن يرفض تمجيد العنف ويعزز القيم الإيجابية، مع العمل على معالجة الأسباب الاجتماعية والتربوية التي تساهم في تفشي الجريمة.


التوازن بين حرية الإبداع الفني وحماية المجتمع:


في سياق الحديث عن دور السينما والدراما ووسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على السلوك المجتمعي، لا بد من التأكيد على أهمية تحقيق توازن دقيق بين حرية الفن والتعبير من جهة، وضرورة وضع ضوابط وتقييدات تحمي المجتمع من المحتوى الذي قد يحرض على العنف أو الجريمة من جهة أخرى، فحرية الإبداع الفني والتعبير تعد من الحقوق الأساسية التي تكفل حرية الفكر والثقافة، وتسمح للفنانين والمبدعين بالتعبير عن قضايا المجتمع وتسليط الضوء على مشكلاته، ومع ذلك، فإن هذه الحرية ليست مطلقة، إذ ينبغي أن تُمارس بمسؤولية تضمن عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى تحريض أو تشجيع على سلوكيات ضارة أو مخالفة للقانون، ولذلك، يتطلب الأمر وجود آليات رقابية واضحة وشفافة، توازن بين حماية حرية التعبير ودرء مخاطر التحريض، بما يحفظ أمن المجتمع ويعزز القيم الإيجابية دون المساس بالإبداع الفني.


خاتمة


إن الخطاب العام في الأفلام والمسلسلات ووسائل التواصل الاجتماعي قادر على أن يكون سلاحاً ذا حدين: إما أن يساهم في بناء مجتمع واعٍ ومسؤول، أو أن يتحول إلى أداة تحريض تدفع نحو مزيد من الجريمة والعنف، ومن هنا، تظهر الحاجة الملحة إلى رقابة واعية، وتطبيق صارم للقوانين، إلى جانب تعزيز دور الأسرة والمدرسة والإعلام في بناء وعي نقدي لدى الشباب، ليصبحوا قادرين على التمييز بين ما هو خيال درامي أو تحريض إعلامي، وما هو سلوك واقعي يجب رفضه ومواجهته. 



NameE-MailNachricht